«سوریا» الانسحاب الأمریکی أسباب للحذر
ربما کانت المرحلة الآنیة من الأزمة السوریة تحمل اللحظات الأشد إرباکاً لأی مخطط استراتیجی یسعى لاستعادة الأوضاع فی هذا البلد لما کانت علیه ما قبل العام 2011 .
والأکید أنها تجمل اللحظات الأکثر حرجاً عند منفذ لا یملک مفاتیح الأرض ولا نوافذ السماء ولا أدوات الفعل کلها فی سوریة منذ بدایة الحرب العدوانیة التی کادت تطال کل شبر من جغرافیا البلاد.
فالحق أنی ومع سعادتی بسحب ترامب قوات العدوان والاحتلال الأمریکی من الأرض السوریة، لم أرَ فی الأمر ما یدعو للتفاؤل ولم أر فیه هزیمة أمریکیة ولا حتى تراجعاً عن عدوانیة ودمویة ألفناها منهم فی الحال العراقیة السوریة منذ بدء تسعینات القرن الماضی.
والأکید أنی لم أفسر القرار کتطبیق لعقیدة شخصیة تحکم الرئیس الأمریکی، بإعادة قواته لوطنها، والعمل فقط بمقابل کمرتزقة لمن یدفع .. فهذه الصورة الرائجة سوقت لدى أعراب جزیرة العرب للابتزاز، ودفعوا، والمعلن الذی دفعوه تجاوز فی أیام قلیلة زار فیها ترامب الخلیج (الفارسی) البلیون دولار، وحصل على الأکثر عندما هددهم قبل أشهر بالانسحاب من سوریا وخرج ابن سلمان لیعلن أن الانسحاب سیکون خطأ وقبض ترامب وبقیت قواته أقل من العام ثم ها هو یسحبها..
والذی أقصده أن التفسیر القائل بانفراد ترامب هذه المرة بقرار الانسحاب والذی یعزز فرضیته تغییر فی قیادته العسکریة ثم حدیثه عن تحمل آل سعود تکلفة إعادة إعمار سوریة هو بالتحدید ما أرادوا لنا مَن وراء ترامب فی مؤسسات بلاده والصهیونیة العالمیة الوصول إلى استنتاجه، فلا الولایات المتحدة هی تلک الدولة التی تدار بإرادة فرد وعلى هواه، ولا شخصیة ترامب نفسه تؤهله لاتخاذ قرار کهذا من دون أن یشار علیه به، والمشیر ولیس المستشار هو زوج ابنته الصهیونی جارید کوشنیر. ببساطة مؤسسات أمریکیة صهیونیة المعتقد وعراب للصفقات الخلیجیة الصهیونیة الأمریکیة السیاسیة والاقتصادیة فی سریر ابنته، لیس ممکناً أبداً أن نصدق تحولهم فجأة إلى السلمیة والبناء.
وبوضوح أقول إن معطیات تجاربنا التاریخیة فی کل مکان من خارطة أمتنا الممتدة مما وراء الخلیج (الفارسی) وحتى المحیط ومن آسیا الوسطى حتى القرن الإفریقی، تقول إن هؤلاء أبداً لا یتخلون عن عدوانیتهم وهکذا بلا مقابل.. فالذی نعرفه یقیناً أننا على الأرض السوریة لم نحارب القوات الأمریکیة ولم نتصدَّ لغارات طائراتهم بأی صورة کانت، لتکون لدیهم خسائر تجبرهم على الانسحاب، وإن خطوة کتلک ـ محاربة قوات الاحتلال الأمریکیة - لیس ممکناً للجیش العربی السوری اتخاذها مباشرة، لیس فی المرحلة الحالیة ولا فی وقت قریب منظور، والأقرب وحال استتباب الأوضاع فی کل أنحاء سوریة هو تفعیل خیارات المقاومة الشعبیة والعمل الدبلوماسی معاً وبقاء الجیش النظامی بعیداً عن أی مواجهة تکون ذریعة لحرب شاملة ومواجهة مفتوحة مع تحالف الشر الغربی الصهیونی الخلیجی الترکی والتی من المؤکد أن سوریة لیست جاهزة لها.
ولیست حتى مسألة حلول القوات الترکیة فی مواقع قوات الاحتلال الأمریکی المنسحبة إن جرت هی کل ما یمکن أن نراه مقلقاً، وإنما ما یأتی بعدها والذی أراه هو الهدف الأقرب احتمالاً، فبعد جلاء القوات الأمریکیة لا شرعیة على الأرض سوى للجیش وللدولة السوریة، والطبیعی أن تدفع الدولة بقوات عسکریة وأمنیة لإعادة المناطق التی جلا عنها الاحتلال لسیادتها وفی ذلک من المتوقع أن تدور بین هذه القوات وعناصر جماعات ومیلیشیات التکفیر المسلحة والانفصالیة الکردیة المدعومة غربیاً وترکیاً وسعودیاً من ناحیة وبینها وبین القوات الترکیة حال دخولها معارک أتصورها الأصعب منذ انطلاق الحرب السوریة وهو ما سیستدعی تکثیف الجیش العربی السوری وحلفائه، محور المقاومة من دون الغطاء الجوی الروسی، قوته بساحة الشمال.
والذی أراه أن المخطط هو إنهاک الجیش السوری من ناحیة وفرض واقع عسکری جدید فی الشمال وإحداث خلل متزامن فی توازن القوة على جبهة الجنوب الأوسع -سوریة ولبنان معاً -،إذ هم یتصورون بل یأملون أن حزب الله أقرب حلفاء سوریة سیسحب جانباً کبیراً من قوة المواجهة مع العدو الصهیونی فی جنوب لبنان وجنوب غرب سوریة للدفع بها على جبهة الشمال السوری، وهنا یکون التفسیر الأصوب هو أن من یحمل هذا التصور إنما یسعى لاستغلال الأمر لفتح جبهة جنوب الشام والجنوب اللبنانی لیواجه أخطر وأشد خصومه فی المنطقة حزب الله والأخیر مشتتة قواته فی أنحاء سوریا وشمالها وشرقها البعیدین وفی الجرود والجنوب غیر ما هو معروف إمکانیة حدوثه من طعنات الداخل .
الموقف السوری صعب ولا شک الدولة مطالبة باستعادة المناطق التی جلا عنها الاحتلال والجیش منشغل بجبهات متعددة، والحلیف الروسی رغم تقدیرنا لکل ما قدم صرنا نعرف أنه لیس هنا لمنع عدوان على سوریة أیاً کان طرفه صهیونیاً غربیاً ترکیاً، والمقصود بالمنع هنا لیس الدخول فی حرب بالوکالة عنا، ولکن الذی نثق به أن روسیا إن أرادت فکلمتها وموقفها الصلب أکثر من کافیین وجداً لردع عدوان من أی جهة ولکنها فی ذلک بلا موقف ولا کلمة فلیست روسیا الیوم هی الاتحاد السوفیتی ولیس هناک نیکیتا خروتشیف ولا عبد الناصر (حرب السویس 56).
تقدیرات الموقف تحتم أن تکون حساباتنا بالغة الدقة، فلا ینبغی ابداً أن نأخذ تبدل مواقف أنظمة عربیة نعلم مخبرها جیداً، على أنه عودة إلى الصواب وتسلیم بانتصار محور المقاومة فی سوریا ولا بأنها بدلت مواقفها بغیر إذن سیدها فی البیت الأبیض.. والأخیر ترامب الأرجح أنه سحب قواته حمایة لها من خسائر حرب أشرس وأعنف یسعى لإشعالها ولا یرید أن تطالهم نیرانها.. ـ، بعد فشل جماعات المرتزقة التی یدعمها فی ساحات القتال المباشر والمتلاحم التی انفتحت بکل أرجاء سوریا فی تحقیق مهمة تقسیم البلاد وهدم الدولة -. وهو فی هذه الحرب لا یرید أن یخرج عن نمط الحروب الأمریکیة بإحراق الأرض من السماء أولاً ثم توجیه قوات أرضیة لیست أمریکیة لمهام التعامل المیدانی.. قبل الدفع بقواته لاحتلال أرض بخسائر محدودة تقبل داخلیاً.
سعید بالانسحاب الأمریکی ولا أراه مخلفاً لفراغ کما یدعون.. فقط على الجیش السوری المبادرة إلى فرض سیطرته بمناطق الانسحاب وقبل دخول أی قوات غریبة. وعلى السیاسة أن ترتقی لمقام ما بذله ویبذله الرجال فی المیدان وأن تکون أشد صراحة ووضوحاً مع الحلفاء قبل الأعداء.
أما أشرف الرجال صنادید المقاتلین وسید المقاومة (نصره الله)، فأدرک أنهم أکثر من یعرفون أنه لا راحة فی هذه الدنیا قبل تحریر الأرض کل الأرض وتطهیرها من العدو، وأنه لیس لهم فیها غیر القتال ومنه مجدهم وعزهم وأتصور أن فیه راحتهم.. فهنیئاً لهم بجهاد فی ساحات شرف کاد أن ینسحب منها الجمیع.
خالد رزق